أصدر المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي بيانا عقب اجتماعه الدوري المنعقد يوم السبت 25 أكتوبر 2025 بمقر الحزب بالدار البيضاء، في لحظة رمزية تزامنت مع الذكرى الستين لاختطاف واغتيال القائد اليساري والوطني الكبير المهدي بن بركة. وقد استحضر الحزب في مستهل بيانه هذا الحدث الأليم باعتباره محطة متجددة للاعتزاز بالإرث النضالي والفكري للمهدي بن بركة، رمز الوطنية والتقدمية، وصوت الحرية والكرامة في المغرب والعالم.
وخصص الاجتماع -حسب البيان – لتدارس مشاريع القوانين التي أحالتها الحكومة مؤخراً على مجلس النواب، إلى جانب تقييم الوضع الحقوقي الراهن ومناقشة القضايا التنظيمية الداخلية. وبعد نقاش موسع حول مضامين هذه المشاريع، وخاصة تلك المتعلقة بالقانونين التنظيميين لمجلس النواب وللأحزاب السياسية، عبّر المكتب السياسي عن أسفه العميق لما اعتبره غياب إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الممارسات التي أفسدت الانتخابات السابقة.
وأكد المكتب السياسي لـ”الرسالة” أن المشروع الحالي يعيد إنتاج نفس الأعطاب السابقة، ويُبقي الباب مفتوحاً أمام الشك في نزاهة الاستحقاقات المقبلة ومصداقيتها. وشدد الحزب على أن أي إصلاح ديمقراطي حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون تخليق الحياة السياسية وضمان الشروط الكفيلة ببناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، مبرزاً أن المقترحات الحكومية الحالية لا تمثل سوى وسيلة لتدوير وجوه الفساد وإعادة تموقعها داخل الحقل الانتخابي والسياسي، بدل اتخاذ خطوات جريئة لمواجهة المنظومة التي تغذي الفساد وتستفيد منه.
كما انتقد الحزب تغييب الحوار الجاد والمقاربة التشاركية في إعداد هذه المشاريع، معتبراً أن تغييب الأحزاب من المشاورات يكشف زيف الخطاب الرسمي حول الإشراك والتشاور. وأوضح أن الدعم المالي الموجه للشباب لا يمكن اعتباره إجراءً كافياً لتجديد النخب السياسية، ما دام غير مقترن بإصلاحات تضمن الشفافية وتجرّم استعمال المال والنفوذ في الانتخابات.
وربط الحزب هذه المقاربة بما وصفه بالمقتضيات النكوصية التي تعيد إلى الأذهان منطق “قانون كل ما من شأنه” الذي سعى في السابق إلى تقييد الحريات وترهيب المواطنين ومنعهم من فضح الفساد الانتخابي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تزوير الإرادة الشعبية.
وفي قراءته لمشروع قانون المالية لسنة 2026، اعتبر المكتب السياسي أنه يكرس النهج النيوليبرالي الذي دأبت عليه الحكومات المتعاقبة منذ عقود، دون أي تحول في فلسفة تدبير المال العام أو تحديد أولويات التنمية الاجتماعية. وأكد أن هذا التوجه يزيد من عمق التفاوتات الطبقية ويثقل كاهل المواطنين والمواطنات بضرائب مجحفة، في حين يواصل توجيه الموارد نحو الخوصصة والمشاريع غير المنتجة، مما يرهن مستقبل البلاد ويضاعف المديونية على حساب الأجيال القادمة. كما عبّر الحزب عن قلقه من مضامين مشروعي قانون التعليم المدرسي والتعليم العالي المعروضين على البرلمان، معتبراً أنهما يكرسان منطق التحكم والتضييق، ويستهدفان المدرسة والجامعة العموميتين في أفق التخلي عن المجانية وتسريع وتيرة تسليع التعليم، بما يمس جوهر العدالة الاجتماعية وحق الأجيال في تعليم عمومي ذي جودة.
وفي ما يتعلق بالوضع الحقوقي، عبّر المكتب السياسي عن تضامنه المطلق مع كافة ضحايا القمع والاعتقال التعسفي، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الشباب المعتقلين على خلفية احتجاجات “جيل Z”، معتبراً أن مكان هؤلاء الشباب هو مقاعد الدراسة والعمل لا السجون. كما دعا إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي دون استثناء، بمن فيهم معتقلو حراك الريف والصحافيون والمدونون والنشطاء الحقوقيون، ومن ضمنهم أعضاء الحزب الذين يتعرضون لمتابعات بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية. وندد باستمرار التضييق على المناضلين والنشطاء الديمقراطيين، مؤكداً أن هذه الممارسات تناقض الخطاب الرسمي حول بناء دولة الحق والقانون.
وبمناسبة مرور ستين سنة على جريمة اختطاف واغتيال المهدي بن بركة، دعا المكتب السياسي الدولة المغربية إلى الكشف الكامل عن الأرشيفات المرتبطة بالقضية، وفتح تحقيق قضائي نزيه وشامل على ضوء المعطيات الجديدة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، بهدف كشف الحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات دون استثناء. واعتبر الحزب أن طي هذا الملف دون الحقيقة والعدالة يظل جرحاً مفتوحاً في الذاكرة الوطنية ويعطل مسار المصالحة التاريخية الحقيقية.
كما هنأ المكتب السياسي منظمة نساء الحزب “نفيد” على نجاح مؤتمرها التأسيسي، وحيّا نضالات المرأة الفيدرالية في سبيل المساواة والكرامة والحرية، موجهاً تحية خاصة للنساء في فكيك بمناسبة الذكرى الثانية لحراكهن ضد خوصصة الماء وضد التهميش الذي تعاني منه المدينة. وأشاد الحزب بنضال جميع النساء المغربيات اللواتي يواصلن الدفاع عن حقوقهن في وجه مختلف أشكال الإقصاء الاجتماعي والسياسي.
وختم المكتب السياسي بيانه بدعوة مناضلات ومناضلي الحزب إلى التعبئة الشاملة والانخراط الميداني في الدفاع عن المطالب الشعبية المشروعة، مؤكداً أن المرحلة السياسية الراهنة تفرض التكتل وتوحيد الجهود لبناء جبهة وطنية ديمقراطية قادرة على مواجهة المنظومة القانونية والسياسية النكوصية التي تكبل الحريات وتضعف التمثيلية، وتجدد في الوقت نفسه الأمل في مشروع ديمقراطي تقدمي يعيد الاعتبار للعمل السياسي النزيه والمواطنة الفاعلة.
وهذا نص البيان:
