كشف محمد الساسي، عضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي والأستاذ الجامعي، عن تحولات وصفها بالجذرية داخل الحقل السياسي المغربي، مبرزا تغييرات عميقة مست قيم المواقف الحزبية وبنية المشهد العام. واعتبر خلال ندوة وطنية نظمها فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري بكلية الحقوق السويسي بالرباط، أن الفيدرالية ليست سوى “نواة” لمستقبل سياسي سيصنعه الجيل القادم، مؤكدا أنه يتحدث من موقع شخصي لا باسم التنظيم.
وأشار الساسي إلى بروز نزوع واضح نحو تقبل السيادة الملكية داخل الفضاء الحزبي، موضحا أن التمييز في الماضي لم يكن يقوم على أساس اليمين واليسار بقدر ما كان بين أحزاب غير قادرة على اتخاذ مواقف مخالفة للتوجهات الملكية، وأخرى تربط الديمقراطية بما تسميه الخصوصية الوطنية والدينية.
وبيّن الساسي، أن هذا التصور يتعارض مع الفلسفة التي جاءت بها الثورة الفرنسية، لكنه أوضح في المقابل أن التجربة المغربية أثبتت إمكانية الجمع بين الملكية والديمقراطية، وهو ما أفرز نمطا توافقيا من “الملكية البرلمانية”.
وسجّل أن بعض الأحزاب الوطنية الكبرى شكلت استثناءات لهذا النسق، مستحضرا موقف الحسن الثاني في الثمانينات حين أعلن وقف “المخطط التنموي”، وما أثاره ذلك من اعتراض داخل الاتحاد الاشتراكي، إضافة إلى تباين مواقف قوى سياسية أخرى حول مفهوم الاشتراكية.
وأبرز أن المشهد الحزبي انتقل من منطق “الحكم” إلى منطق “المشاركة والتدبير”، موضحا أن أحزابا عديدة باتت تعطي الأولوية للمشاركة الحكومية حتى ولو اقتضى الأمر التنازل عن مطالب استراتيجية، مثل التطبيع الذي لم يعد موضوع خلاف كبير.
وأشار الساسي إلى أن هيكلة الأحزاب شهدت بدورها تحسنا واضحا، إذ بدأت أحزاب كانت تُعرف بـ“أحزاب الإدارة” في ملاءمة برامجها مع توجهات الدولة، بعد أن لم تكن تعتبر وجود أزمة دستورية قبل أن تصوت لصالح دستور 2011 في إطار توافقات جديدة.
ولفت إلى انتقال المعادلة السياسية من ثنائية يسار–يمين إلى معادلة ثلاثية تضم التيار الإسلامي، موضحا أن صعود الإسلاميين بوصفهم قوة مؤثرة يعود إلى فشل المشروع القومي الاشتراكي في المنطقة، وإلى قدرتهم على مواكبة الحس العام رغم ضعف نموذجهم الأخلاقي الداخلي.
ورصد الساسي بروز قيادات شعبوية تعتمد على المظلومية والتهكم واللامسؤولية في مخاطبة الرأي العام، مؤكدا أن هذه الظاهرة ليست محلية فقط بل جزء من موجة عالمية غيّرت صورة القائد السياسي التقليدي. وسجّل أيضا تغيرا جذريا في منطق التحالفات، بعدما أصبحت التحالفات ظرفية وغير محكومة بانتماء أو عائلة سياسية، ما يعكس حدة التنافس داخل المشهد.
وأوضح أن طبيعة العمل السياسي انتقلت من الوطنية والإيديولوجيا إلى البراغماتية، وأن العديد من الأحزاب تخلت عن خطاب الثورة والنضال لصالح خطاب التكيّف والواقعية، مقابل صعود الفاعل الديني والشعبوي وتراجع دور التنظيمات التقليدية لصالح حركات احتجاجية غير حزبية.
وتوقف عند التحول في مصادر القوة، حيث أصبحت القرب من مركز النظام السياسي مدخلا أساسيا لإنتاج النفوذ، ما أعاد ترتيب أولويات الأحزاب ودفعها إلى نسج تحالفات غير تقليدية تقوم على الظرفية. واعتبر أن التماهي بين القوى السياسية أصبح ملموسا، بينما تشكل القيم الملكية والديمقراطية أرضية مشتركة رغم اختلاف البرامج.
واختتم الساسي بأن هذه التحولات تؤشر إلى دخول المغرب مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، حيث تعيد القوى الحزبية تشكيل ذاتها لمواكبة التحديات المقبلة، غير أن هذا المسار يطرح أيضا أسئلة مشروعة حول آفاق تطوير الديمقراطية في البلاد.
