شهد رواق حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي دينامية لافتة خلال فعاليات حفل الإنسانية بباريس، الذي امتد أيام 12 و13 و14 شتنبر 2025، سواء عبر تنظيمات سياسية وجمعوية أو عبر الزوار، حيث سجل إقبالا كبيرا واستثنائيا عكس حجم تفاعل المهاجرين وبقية تنظيمات اليسار العالمي مع حزب يساري مغربي يشق طريقه بمبدئية ونَفَس نضالي متواصل حتى خارج حدود الوطن.
في اليوم الأول، الجمعة 12 شتنبر 2025، احتضن الرواق مائدة مستديرة حول موضوع “الحركات الاحتجاجية بالمغرب/ قراءات متقاطعة”، بمداخلتين وتفاعل من القاعة، أطرها الناشط الحقوقي سعيد العمراني ومنعم وحتي، عضو المكتب السياسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي.
استعرض سعيد العمراني الحالة الراهنة للاحتجاجات بالمغرب وتطورات ملف معتقلي حراك الريف، مبرزا حجم الحيف الذي طال هذه القضية مقارنة ببقية الحراكات، مع التذكير بسلمية الحراك وبتأكيد مناضليه الدائم على رفض أي اتهام من الدولة لهم بالانفصالية. وأوضح أن حراك الريف ظل جزءا لا يتجزأ من الحركات الاجتماعية عبر مختلف ربوع المغرب.
أما المداخلة الثانية التي قدمها منعم وحتي، فقد تناولت معادلات الاحتجاج بالمغرب منذ القرن الخامس عشر إلى اليوم، مسلطا الضوء على العلاقة الجدلية بين ثلاثة مربعات أساسية:
-
شكل الاحتجاج وتحقيبه الزمني التراكمي.
-
الفاعلون الذين حركوا الاحتجاجات ومطالبهم.
-
نقيض الاحتجاج المتمثل في الدولة والمرحلة الكولونيالية وكيفية تعاطيها مع الفعل الاحتجاجي.
وخلصت المداخلتان إلى أن تشبيك الفعل الاحتجاجي بين أبعاده المجالية والاجتماعية والسياسية والديمقراطية والحقوقية والجمعوية، يظل شرطا أساسيا لزيادة فعالية الحراكات وتحقيق نتائج ملموسة، مع التأكيد على أن إطلاق سراح معتقلي الريف وبقية معتقلي الرأي يشكل مدخلا رئيسيا لانفراج سياسي حقيقي.
في اليوم الثاني، السبت 13 شتنبر 2025، نظم الحزب ندوة مشتركة مع مجلة “النداء” وبمواكبة من “صوت الشعب”، بمشاركة الحزب الشيوعي اللبناني وفيدرالية اليسار الديمقراطي، تحت عنوان: “الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين ومقاومة الشعب الفلسطيني”. وقد عرفت ثلاث مداخلات.
أكد الأستاذ المحامي عمر محمود بنجلون، عضو المجلس الوطني للحزب، على أهمية تفعيل آليات القانون الدولي لمواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها الصهيونية ضد الفلسطينيين، رغم ازدواجية المعايير التي ينهجها المنتظم الدولي. وذكّر بالمعركة القضائية التي خاضها محامون مغاربة ضد صهاينة من أصل مغربي تورطوا في جرائم ضد الفلسطينيين عبر رفع دعاوى ضدهم أمام القضاء الدولي.
أما الصحافي شريف بيبي، فوقف عند ضرورة تحليل الخطاب الإعلامي وتدقيق المصطلحات المستعملة في الصحافة الدولية، في ظل هيمنة اللوبي الغربي الرأسمالي على الإعلام العالمي ومحاصرته للمقاومة الإعلامية الحقيقية. وأبرز أن الإعلام البديل عبر مواقع التواصل الاجتماعي كسر هذه الهيمنة بقدرته على نقل الوقائع بالصوت والصورة لحظة وقوعها، ما ساهم في فضح مجازر الإبادة بفلسطين أمام الرأي العام العالمي.
وجاءت المداخلة الثالثة للأسير المحرر صلاح حموري، الذي حذر من المؤامرة المستمرة التي تستهدف القضية الفلسطينية، ليس فقط في أراضي 1967، بل كذلك في أراضي 1948. وشدد على وحدة المعركة والمصير الفلسطيني، مؤكدا أن تحقيق التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية لن يكون ممكنا إلا عبر وحدة الصف الفلسطيني. كما نبه إلى السيناريوهات الدولية التي تُحاك لتقزيم الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
وقد حضرت اللقاء المناضلة الكبيرة سهى بشارة، التي أكدت استمرار المقاومة حتى تحرير الأرض والإنسان، وذكّرت باستقبال المغرب لها بعد تحريرها، مشيرة إلى الحفل الشعبي الحاشد الذي خُصص لها حينها.
كما نظم الحزب برواقه في اليوم ذاته ندوة أخرى بعنوان: “سبل هزيمة العنصرية ومواجهة اليمين المتطرف والتغلب عليه”، بمشاركة أوليفي لوكور كراندميزون، أستاذ العلوم السياسية والفلسفة السياسية، وهوغو باليتا، عالم الاجتماع المتخصص في اليمين المتطرف.
أوضح أوليفي لوكور في مداخلته مخاطر اليمين الفرنسي وبرنامجه على الشعب الفرنسي وباقي الشعوب، مبرزا أنه يهدد العيش المشترك ويمس بالجانب الاجتماعي. كما سجل تلاعب اليمين في تأويل مفهوم العلمانية في القانون الفرنسي لصالح قمع حريات المعتقدات والآراء المعارضة، مؤكدا ضرورة الوعي بالمعركة المزدوجة لمواجهة أطروحاته الاستئصالية.
من جهته، توقف الباحث هوغو باليتا عند خطورة الفلسفة الليبرالية المتوحشة التي يتبناها اليمين، والتي أفرزت منظومة من القوانين الجائرة للتحكم في الاتحاد الأوروبي ومفاصله المالية. ورأى أن الحل يكمن في تكاثف الشعوب الأوروبية والأممية لمواجهة هذا التغول، مشيرا إلى أن النص القانوني لسنة 1905 حول العلمانية جرى تحريفه في الواقع ليصبح أداة عنصرية ضد الأقليات بدل أن يظل نصا ضامنا للحرية.
وعلى هامش المشاركة، حضر رفاق ورفيقات الحزب عددا من الندوات بالأروقة الصديقة وعقدوا لقاءات مع أحزاب ومنظمات متقاربة، حيث عملوا على توضيح رؤية الحزب وموقفه الثابت بخصوص مغربية الصحراء، وتصحيح بعض المغالطات المتداولة بهذا الخصوص. كما تم التعريف بالثقافة المغربية من خلال الموسيقى والعادات الاجتماعية للأسر المغربية، في تفاعل مع شعوب أخرى، ما جعل رواق الحزب محجا لعدد كبير من الزوار.