تحوّلت الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة تمارة المنعقدة في السادس والعشرين من نونبر 2025 إلى محطة تكشف عمق التوتر داخل المؤسسة المنتخبة، بعدما بدا أن النقاش العمومي قد جرى تحجيمه لصالح تصويت أحادي، وفق ما أكدته المستشارة فاطنة أفيد عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي اعتبرت أن ما وقع يشكل “انزلاقا خطيرا” يُفرغ دور المجلس من محتواه الدستوري. وقالت المستشارة إن الجلسة اتسمت منذ بدايتها بغياب التداول وتوجيه مسار النقاش نحو تمرير النقاط المدرجة دون نقاش، في تناقض مع القانون التنظيمي 113.14 ومع أبسط قواعد العمل المؤسساتي، ما دفعها إلى الانسحاب احتجاجاً على ما وصفته بـ”المصادرة الممنهجة لصوت المعارضة”.
وسجلت أفيد أن الوثائق المرتبطة بالنقاط المعروضة على المجلس لم يتم تمكين الأعضاء منها وفق الآجال القانونية، فيما قُدمت بعض الوثائق صبيحة الجلسة وأخرى بصيغة لغوية غير دستورية، في تجاهل لمقتضيات المحكمة الدستورية التي تشدد على الحصرية الرسمية للعربية والأمازيغية في وثائق الإدارات العمومية. ووفق المستشارة، فقد بدا أن رئاسة المجلس حسمت مسبقاً في نتيجة التصويت، في وقت ظل فيه دور المعارضة شكلياً ومحدوداً.
وفي عرضها لما دار حول النقطة المتعلقة باتفاقية “الرباط مدينة خضراء”، أوضحت أفيد أنها تدخلت لتسجيل ثلاث ملاحظات أساسية، أولها غياب الشفافية وإقصاء المجلس من صلاحياته في بلورة المشروع، إذ قدمت الاتفاقية جاهزة دون دراسة جدوى أو دفتر تحملات. كما انتقدت تخصيص أكثر من 21 مليون درهم لتأهيل شارع وساحة واحدة فقط، في مدينة تعرف تفاوتاً مجالياً صارخاً وتحتاج أحياءُها الهامشية إلى مشاريع خضراء تضمن العدالة المجالية. واعتبرت أن غياب المعطيات التقنية والمالية الكاملة يجعل من الصعب التصويت على مشروع ضخم دون ضمانات واضحة، ما دفعها إلى المطالبة بإرجاع الملف إلى اللجان المختصة وتوسيع نطاق الاستفادة ليشمل مختلف الأحياء.
أما النقطة المتعلقة بتأهيل الباعة المتجولين، فاعتبرت أنها استخدمت لإدراج ملف تجار منطقة الشيكا الذين تم ترحيلهم دون تمكينهم من محلاتهم، مؤكدة أن حقوق هذه الفئة “مكتسبة وليست منّة من أحد”. وانتقدت غياب الإحصاء والتشخيص، وتغييب التجار المعنيين عن النقاش، إضافة إلى ما وصفته بتحويل ملف ذي بعد اجتماعي إلى مقاربة عقارية وانتخابية، خاصة بعد حضور شركة العمران، مما ينقل القضية من بعدها الاجتماعي إلى منطق ربحي قد يزيد حدة الهشاشة التي تعاني منها الأسر المتضررة.
وفي ما يخص التحويلات المالية، أكدت أفيد أن النقطة طُرحت دون وثائق أو جداول أو تبريرات، معتبرة أن أي تصويت في هذه الظروف يفتقر إلى السند القانوني ويظل قابلاً للطعن، إذ إن التحويلات المالية ليست مجرد إجراء إداري بل تغييرات جوهرية في هيكلة الميزانية تستوجب الشفافية الكاملة.
وترى المستشارة أن ما وقع خلال هذه الدورة يتجاوز مجرد اختلال إجرائي ليعكس، حسب تعبيرها، “منهجية استبدادية” تسعى إلى التحكم في مسار المؤسسة وتحويلها إلى فضاء للدعاية الانتخابية قبل الأوان، وإضعاف دور الرقابة، وإقصاء المعارضة، وتوجيه الملفات الاجتماعية لخدمة حسابات ضيقة. وقالت إن انسحابها جاء احتجاجاً على غياب التداول، وتقديم الوثائق خارج الآجال القانونية، وغياب الشفافية، واحتكار الرئيس لقرار التسيير في منطق يقصي أصوات المخالفين.
وأكدت أفيد أن موقفها لا يرتبط بصراع سياسي، بل دفاع عن مقتضيات الدستور وعن حق ساكنة تمارة في مجلس ديمقراطي وشفاف يقوم على الحكامة الترابية والعدالة المجالية. وحذرت من أن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى المساس بجودة القرار العمومي وتراجع الثقة في المؤسسات المنتخبة. واختتمت بالتأكيد على أنها ستواصل فضح الاختلالات والعمل على حماية دور المعارضة باعتباره جزءاً أساسياً من البناء الديمقراطي، وليس امتيازاً يمنحه الرئيس لمن يشاء.
