ورقة تقديمية: السياق؛ المرجعية و التحديات

انعقد المؤتمر الوطني الاندماجي في شهر دجنبر 2022 تحت شعار “مسارات تتوحد؛ يسار يتجدد”. هذا المؤتمر الذي يشكل ثمرة جهود امتدت لسنوات؛ و بشعاره العميق الدلالة خلق انتظارات و تحديات متعددة.

سياق الاندماج: التأسيس

في سياق كفاحها من أجل تحقيق مشروعها المجتمعي مجتمع الحرية والديمقراطية والاشتراكية، واعتبارا للظرفية المعقدة التي تعيشها الإنسانية؛ والمتمثلة في مخاض الانتقال من عالم وحيد القطبية الى عالم متعدد الأقطاب،بما له من تداعيات  سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية، تمس كل دول العالم؛ و استجابة لما تعرفه بلادنا من تحولات مجتمعية وقيمية، و أمام انسداد أفق التحول الديمقراطي، و تراكم تراجعات كبرى في العديد من الحقول والميادين.

قرر حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، ومكون اليسار الوحدوي، ورفاق البديل التقدمي، وفعاليات يسارية مستقلة، توحيد فعلهم النضالي داخل حزب واحد كمشروع سياسي  يجسد الجهود المبذولة منذ سنوات، لتحقيق قفزة نوعية في مسار النضال الديمقراطي، وكإطار يساري ديمقراطي منفتح وفاعل يساهم في إعادة بناء اليسار على أسس سليمة و متكاملة، مؤطرا بالقيم والمبادئ والأهداف التي ضحت من أجلها أجيال من النساء والرجال الذين لم يستسلموا أبدًا للاستلاب والقهر والاستبداد.

المرجعية

**إن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي اذ يؤكد انتماءه للرصيد الاشتراكي الغني بكل اجتهاداته،فانه يحرص على إعمال العقل النقدي في التعاطي مع مختلف الاجتهادات النظرية، وأيضا مع نماذج الاشتراكية المطبقة.

إننا نعتبر أن الفكر الاشتراكي وحتى يكون قادرا على الحياة والتطور والتعبير عن مصالح طبقات وفئات اجتماعية شعبية واسعة، لابد له أن يعمل على تمثل القيم الديمقراطية الكونية المستمدة من ثقافة عصر الأنوار، ومن فلسفة وقيم منظومة حقوق الإنسان بأبعادها الشاملة. وأيضا الدفع بالممارسة الديمقراطية لتتعمق وتتجذر حتى يتمكن المواطنات و المواطنون من التداول في قضايا المجتمع بكل حرية ، و المساهمة في تدبير الشأن العام، والمشاركة في صناعة القرار.

إن اشتراكية اليوم لا يمكن أن تنفصل على المسألة الديمقراطية، كما لا يمكنها أن تنفصل كذلك على القضية الإيكولوجية، و تأسيسا على هاته الحقائق تبلور منظور جديد يدمج المكونات الثلاثة؛ الاشتراكية ـ الديمقراطية ـ الإيكولوجيا في منظومة واحدة،   كنظام يؤسس لنمط حياتي إنتاجي و استهلاكي بديل يحقق العدالة الاجتماعية، و يمكن المواطن من المشاركة السياسية الواسعة و يحافظ على المحيط البيئي و على الثورات الطبيعية.

إن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي يعتبر أن ضمان الحريات العامة لكل المواطنين هو الكفيل بإطلاق طاقاتهم  لتحقيق التقدم المنشود، وترسيخ قيم التسامح والتعايش، واستتباب السلم الأهلي

 العلمانية بمحتواها المعرفي والقيمي نظام سياسي يقوم على الفصل بين الدين والدولة؛ حيث تضمن حرية التدين لكافة أفراد المجتمع، بغض النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم، مما يجعلها تساهم في تطور المجتمعات، وفي تجنب الحروب الدينية والمذهبية وترسخ قيم التعايش والسلام الأهلي.

انطلاقا من وعي مناضلي و مناضلات حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، وإدراكهم العميق لشروط المرحلة التاريخية المتمثلة في هيمنة الدولة المخزنية، بحمولتها المحافظة والاستبدادية على كل الحقول والمجالات؛ السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية، وما يمثله ذلك من عوائق تاريخية أمام التقدم والإصلاح والتنوير، واستحضارا منهم للمهمة التاريخية المطروحة للإنجاز و المتمثلة في الانتقال من الدولة المخزنية العتيقة، إلى الدولة الديمقراطية  الضامنة للحقوق و الحريات  فإن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي ينشد إقامة الدولة المدنية بما تعنيه من فصل للدين عن السياسة، و من مساواة بين المرأة و الرجل، و من  ضمان كامل لحقوق الإنسان كما هي متعرف عليها عالميا.

التحديات

أمام  التحديات الجديدة المتعلقة بالانحباس الحراري والوضع  الجيوستراتيجي الجديد، واستمرار هيمنة النيوليبرالية المتوحشة، و الرأسمال المالي على الاقتصاد العالمي، و تغول الرأسمال الريعي والاحتكاري في بلادنا، و تمدد الفساد في مختلف نواحي الحياة الوطنية، والتوجه الواضح نحو السلطوية،  واستفحال التراجعات الاجتماعية المتعددة، نؤكد  في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي  أننا واعون بضرورة تسديد مسار اليسار، بعد ما تعرض له من تفكك و تشتيت،و من تراجع في دوره على المستوى العالمي  و الإقليمي و الوطني، لمواجهة تحديات متعددة الأوجه والتي تمثل من حيث المبدأ قاسما مشتركا بين كافة القوى الديمقراطية الطامحة للتغيير:         

التحدي الأول يرتبط ببناء الدولة الديمقراطية المدنية، دولة الحق و القانون و المؤسسات،  القادرة على صيانة الوحدة الوطنية في بعديها الترابي والإنساني، والمحصنة للهوية المغربية، والضامنة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.   

التحدي الثاني يتعلق بتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية  و العدالة الاجتماعية، بما تقتضيه من إصلاحات هيكلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، و حسن استغلال الموارد و الثروات وتسخيرها لتحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ عليها ضمانا لحياة أجيال الحاضر والمستقبل، مع الاعتماد على البحث العلمي بمعايير دولية كرافعة لتطوير القدرة على الابتكار استنادا على الأولويات الوطنية،  لتلبية حاجات جميع المواطنين والمواطنات في العيش الكريم، دون تمييز  بينهما في الحقوق كاملة، بعيدا عن الشعبوية وخطاب التطرف. والاهتمام بالشباب؛ تكوينا، وتوفيرا لفرص الشغل، ودعما له في تحقيق طموحاته في التغيير ، وإقامة مغرب أفضل ممكن، وتحفيزا له على المشاركة في تدبير الشأن العام.

التحدي الثالث يتمثل في ضرورة توطيد العلاقات مع القوى الديمقراطية المحبة للسلام؛ وطنيا و إقليميا و عالميا، من أجل بناء عالم تنعم فيه جميع شعوب الأرض بالأمن و السلم، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني المناضل من أجل حقه في العيش في وطنه حرا كريما